فصل: شهر صفر سنة 1222:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر صفر سنة 1222:

واستهل بيوم الجمعة فيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الأزهر وغيرهم وأرسلوها إليهم.
وفي يوم السبت ثانيه، وردت مكاتبة أيضاً من ثغر رشيد وعليها إمضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا وأحمد آغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضاً كوم الأفراح وأبو منضور ويستعجلون النجدة.
وفي تلك الليلة، أعني ليلة الأحد وصل محمد علي باشا ودخل إلى داره بالأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان أشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشيخ والحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب إلى الآثار وبات هناك بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم وأشيع حضوره إلى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في أمر الإنكليز فأظهر إليهتمام وأمر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم إلى بولاق وسخط على أهل الإسكندرية والشيخ المسيري وأمين آغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملوكهم البلدة ولم يقبل لهم عذراً في ذلك ثم قالوا له إنا نخرج جميعاً للجهاد مع الرعية والعسكر فقال ليس على رعية البلد خروج وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا إلى دورهم.
وفيه، وصل حجاج المغاربة إلى مصر من طريق البر وأخبروا أنهم حجوا وقضوا مناسكهم وأن مسعود الوهابي وصل إلى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار وأحضر مصطفى جاويش أمير الركب المصري وقال له ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال هو إشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال لا تأت بذلك بعد هذا العام وإن أتيت به أحرقته وأنه هدم القباب وقبة آدم وقباب ينبع والمدينة وأبطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع.
وفي تلك الليلة، أرسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الأخيرة وأزمه بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر وأن يوزعها بمعرفته.
وفي يوم الاثنين رابعه، دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية إلى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا إلى الدور التي كانوا ساكنين بها وأخربوها.
وفي يوم الثلاثاء، وردت مكاتبة من رشيد وعليها إمضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بان الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد أرسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الآغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عرفنا لأي شيء هذا الحال وما هذا إليهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر.
وفي ذلك اليوم، اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه إلى بولاق وركب وصحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة. وفي يوم الأربعاء سافر أيضاً حجو بك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وأمدهم الكثير من إخوانهم بالاحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم وخرجوا ومعهم طبل وزمر.
وفي يوم الجمعة، ركب أيضاً أحمد آغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من أجناسهم وغيرهم من مغاربة وأتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع إلى بولاق يوهمون أنهم مسافرون على قدم الاستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا إلى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمجينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم إلى المنوفية وفريق إلى الربية ليجمعوا في طريقهم من أهل البلاد والقرى ما تصل إليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك.
وفيه سافر أيضاً حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية إلى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الإزعاج في أخذ الحمير والجمال قهراً من أصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة التي بناحية بولاق وجزيرة بدران وخلافها فرعتها وأكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا إلى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان وأخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح أفعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من أي جنس كان وزال هؤلاء الطوائف الخاسره الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريقة يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعداوتهم ويقولون أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم إذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح أفعالهم.
وفي يوم الاثنين حادي عشره، حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون أنه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وأن هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز إلى الإسكندرية إلا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الإنكليز وردوا بوغاز إسلامبول بإثني عشر مركباً وقيل أربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج أهالي البلد انزعاجاً شديداً وصرخت النساء وهاجت المجينة وماجت بأناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن آخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم أخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون أنه لا أحد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا أخذ دار سلطنتكم لأخذناها أو أحرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الأماكن فعند ذلك أحضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل إلى الإنكليز وتكلم معهم إلى أن خرجوا من البوغاز وأخرجوا صالح قبودان منفياً إلى بعض الجهات.
وفي ذلك اليوم، طلع الباشا إلى القلعة وصحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الأماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر إليهتمام والاجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وأمامه الخدم وبأيديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه وأتباعه.
وفيه، أرسل الأمراء القبليون جواباً عن جواب أرسل إليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بأن السبب في تأخرهم أنهم لم يتكاملوا وأن أكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وأنهم إلى الآن لم يثبت عندهم حقيقة الأمر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وان المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الإنكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جواباً بالحقيقة صحبة مصطفى أفندي كتخدا القاضي يصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها إليهم وكانوا حضروا إلى ناحية المنية وأما ياسين بك فإنه أذعن للصلح على أن يعطيه الباشا أربعمائة كيس بعد تردد المراسلات بينه وبين الباشا ثم انه عدى إلى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان أهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم وأموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم.
وفي عصر يوم الثلاثاء، حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة أنفار من البرية وأحضروهم إلى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم أمر بطلوعهم إلى القلعة وفيهم شخص كبير يقال أنه من قباطينهم.
وفي يوم الخميس رابع عشره، عملوا ديواناً ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية وقرؤوا مرسوماً تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز إلى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز وما لهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور.
وفي ذلك اليوم، حضر شخصان من السعاة وأخبرا بالنصر على الإنكليز وهزيكتهم وذلك أنه اجتمع الجم الكثير من أهالي بلاد البحيرة وغيرها وأهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر وأهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك وإسماعيل كاشف الطوبجي إلى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة وأسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي أثر ذلك وصل أيضاً شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وان الإنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وأبي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من أهل القرى خلفهم إلى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم وأسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا أنه واصل خلفهم أسرى ورؤس قتلى كثيرة في عدة مراكب وأنه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من آهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من إليه ألي بما في أيديهما ويقاتلان بأنفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وأنهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقاً ما غنماه وما بقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد أحمد النجاري وأخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سروراً عظيماً وشكر فعلهما وأنعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتباً ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين إلى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن أخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في أن ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وربوا في صبح ذلك اليوم مجافع كثيرة من القلعة بالأزبكية وبولاق والجيزة وذك بين الظهر والعصر.
وفي يوم الجمعة خامس عشره، حضروا بأسرى وعدتهم تسعة عشر شخصاً وعدة رؤس فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم وأما الرؤس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون رأساً موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الأزبكية مع الرؤس الأولى صفين على يمين السالك من باب الهواء إلى وسط البركة وشماله.
وفيه وصل ثلاث دوات من جدة إلى ساحل السويس فيها أتراك وشوام وأجناس آخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لا يأتي إلى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وأخرجوا هؤلاء الواصلين إلى مصر.
وفي يوم السبت، وصل أيضاً تسعة أشخاص أسرى من الإنكليز وفيهم فسيال.
وفي يوم الأحد، وصل أيضاً نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المجينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضاً مروا بثلاثة وعشرين أسيراً وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين رأساً وأربعة وأربعين أسيراً من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع إلى القلعة.
وفي يوم الأربعاء، وصل إلى ساحل بولاق مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم إلى البر وساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة إلى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة واثنين وأربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم إلى القلعة عند إخوانهم فكان مجموع الأسرى أربعمائة أسير وستة وستين أسيراً والرؤس ثلثماثة ونيف وأربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الوقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير أساس وقد أفسد الله رأي كل طائفة من الإنكليز والأمراء المصرية وأهل الإقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على أهل الإقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه أما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم وأما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال وأما أهالي الإقليم فلانتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيدي الناس وما أصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذا الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصاً شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك أنهم هم الذين حاربوا الفرنساوية وأخرجوهم من مصر.
ولما شاع أخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم أكثر العسكر على الفرار إلى جهة الشام وشرعوا في قضاء أشغالهم واستخلاص أموالهم التي أعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى أنها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها، وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن أربعمائة وعشرين نصفاً والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين، واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر محشاً وسعوا في مشترى أدوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش الأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وأرسل يصالحهم على ما يريدونه ويطلبونه وثبت في يقينه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئاً في السير يظن سرعة ورودهم إلى المجينة فيسير شرقاً على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة، فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز إلى رشيد ودخلوها من غير مانع وحبسوا أنفسهم فيها فقتلوا وأسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى وأسرعت في الحضور وترجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك أهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة ونادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق وأعلاماً وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور، فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم وألقوا أنفسهم في النيران، ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم وأدهشوهم بالتكبير والصياح حتى أبطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان، فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون إلى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك أو نسب إليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما أصعدوا الأسرى إلى القلعة طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء لمعالجة الجرحى ومهد لهم أماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم فقات ولوازم، واستمر يتعاهدهم في غالب الأيام والجرئحية يترددون إليهم في كل يوم لمداواتهم، كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم إذا وقع في أيديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك وأكرموا الأسرى وأما من وقع منهم في أيدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم وألبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحيلة لطيفة، فمن ذلك أن غلاماً منهم قال للذي هو عنده أن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية، وهي مبلغ عشرون كيساً ففرح وقال له أرنيها فأخرج له ورقة بخطم وهؤلاء يعرف ما فيها فأخذها منه طمعاً في إحرازها لنفسه وذهب مسرعاً إلى القنصل وأعطاها له فلما قرأها قال له لا أعطيك هذا المبلغ إلا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر سأله الباشا فقال أريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لأتوصل إليه فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وأرسل الغلام إلى أصحابه بالقلعة ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وما جاورها واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها ومواشيها زاعمين أنها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتملكها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه بذلك الجواب فأرسلوا إلى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤلاً وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرأ ومن يسمع وعلى أنه لم يرجع طالب الفتوى بل أهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم أحاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على أهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها اليد حسن كريت إلى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحربتنا معهم معكم وما قاسيناه من التعب والسهر وإنفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئاً ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وأظهروا له إليهتمام بالمناداة والمنع وكت المذكور أيضاً مكاتبات بمعنى ذلك وأرسلها إلى البلدة والسيد عمر بمصر فكتبوا فرماناً وأرسلوه بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى أنعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش وألبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز إلى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الإسكندرية. تكلم معهما وشنع عليهما وقال أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحربتنا معهم معكم وما قاسيناه من التعب والسهر وإنفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئاً ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وأظهروا له إليهتمام بالمناداة والمنع وكت المذكور أيضاً مكاتبات بمعنى ذلك وأرسلها إلى البلدة والسيد عمر بمصر فكتبوا فرماناً وأرسلوه بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى أنعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش وألبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز إلى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الإسكندرية.
وفي يوم الأحد سابع عشره، وصل ياسين بك إلى ناحية طرا وحضر أبوه إلى مصر ودخل كثير من أتباعه إلى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية.
وفيه، دفنوا رؤس القتلى من الإنكليز وكانوا قطعوا آذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها إلى إسلامبول.
وفيه، أرسل الباشا فسيالاً كبراً من الإنكليز إلى الإسكندرية بدلاً عن ابن أخي عمر بك وقد كان المذكور سافر إلى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب إلى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا الفسيال ليرسلوا بدله ابن أخي عمر بك.
وفي يوم الاثنين ثامن عشره، وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقه جهة شبرا ومنية السيرج.
وفي سادس عشرينه، وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان آغا صالح وكيل دار السعادة سابقاً وهو الذي كان بإسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع أمرائه بعد موته وكان الباشا قد أرسل له يستدعيه بأمان فأجاب إلى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبه بالضربخانة وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه إلى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقبلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع أجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان آغا ما أعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل أصابوه بأعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك إلى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعاً فانطلقت رصاصتها وخرقت كفه اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع إلى داره بجراحته وأذن له برد حملته وذهب ياسين بك إلى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل.
وفيه، سافر المتسفر بآذان القتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضاً شخصان من أسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضاً بصورة الحال من إنشاء السيد إسمعيل الخشاب وبالغوا فيه.
وفيه، حضر إسماعيل كاشف الطوبجي من ناحية بحري ليقضي بعض الأغراض ثم يعود.
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه، سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن أحمد كتخدا إلى ناحية القليوبية لأجل القبض على أيوب فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب إليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من بضائع التجار وأموالهم أو أنهم يفتدون أنفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون إلى أيوب فوده كبير الناحية فيتبرأ منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده أبناس فلما وصلوا إلى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمه وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر إلى السيد عمر وصالح على نفسه بثلاثمائة كيس ورجع الحال إلى حاله وذلك خلاف ما أخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها وأقاموا فيها واحتجوا عليها.
وفيه، حضر الكثير من أهل رشيد بحريمهم وأولادهم ورحلوا عنها إلى مصر.
وفيه، حضر كتخدا القاضي من عند الأمراء القبالي وأخبر أنهم محتاجون إلى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وأرسلها إليهم مع هذه الصورة وإظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب إليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذهبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم وإذا وقعوا بشخص أو غمزوا عليه عند الحاكم أو صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه، بل ونهبوا داره وغرموه، ولا يغفر ذنبه ولا تقال عثرته ويتبرأ منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المقيدين بأبواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفاً من خروج النساء القبالي وذهابهن إلى أزواجهن واتفق أنهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر إلى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه أنه يريد الذهاب بذلك إلى الأمراء وأتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر محبوساً وكذلك اتفق أن الوالي ذهب إلى جهة القرافة وقبض على أشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بأن بعض أتباع الأمراء القبالي يخرجون إليهم بالأمتعة لأسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها إلى أسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئاً واجتمع عليه خدام الأضرحة وأهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فأعجب لهذا التناقض.
وفيه، وصل مكتوب من كبير الإنكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب أسماء الأسرى من الإنكليز والوصية بهم وإكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فإنهم لما دخلوا إلى الإسكندرية أكرموا من كان بها منهم وأذنوا لهم بالسفر بمتاعهم وأحوالهم إلى حيث شاؤا وكذلك من أخذوه أسيراً في حرابة رشيد.